الديموغرافيا (الإحصاء السكاني).. بين الفكرة السائدة والحاجة الملحة
الوقت المقدّر للقراءة: 2 دقيقة و 56 ثانية
هل كنا لنتمكن من استثمار الموارد الاقتصادية كالنفط مثلاً لولا معرفتنا لحجمه وتركيبه وخصائصه؟
ما رأيك لو علمت أن المورد البشري اليوم يعتبر أحد هذه الموارد الاقتصادية، ألا نحتاج لمعرفة حجمه وتركيبه وخصائصه أيضاً؟
ومن هو المورد البشري لبلد ما إلا سكانه، وكيف لبلد ما أن ترسم خططها وتخصص مواردها المالية والمادية -التي تعني موردها البشري أولاً- دون أن تلم بكل تفاصيله. وكيف لها أن تلم بذلك دون ما يعرف بعلم الديموغرافيا (الإحصاء السكاني).
– الديموغرافيا وأهميتها:
فما هي الديموغرافيا؟ وما هي استخداماتها؟ وكيف يتم تعداد السكان؟
اختلفت الآراء فيما إذا كانت الديموغرافيا هي الإحصاء السكاني، أم أن الإحصاء السكاني هو جزء منها فقط. ومهما كان الرأي الأصح يبقى الإحصاء نواة الديموغرافيا.
الديموغرافيا (Demography) مصطلح لاتيني يعني علم السكان، حيث يقسم إلى كلمتين هما (Demo) أي السكان و (Graphy) أي علم، والديموغرافيا تعني العلم الذي يتناول بأسلوب كمي وطرائق إحصائية هيكل الحياة الاجتماعية للإنسان الحي من حيث المواليد والزواج والوفيات والهجرة والحالة العامة للسكان.
وقد قسمت إلى قسمين: الأول يقيس الظواهر السكانية المختلفة كالهجرة مثلاً وفق أساليب رياضية إحصائية، والثاني يهتم بتحليل الأسباب الخارجية لهذه الظواهر والتي قد تكون اقتصادية اجتماعية سياسية أو صحية، كأن يكون سبب الهجرة هو الحروب أو البطالة.
– أهمية قياس بعض الظواهر الديموغرافية وتحليلها:
تعد الظواهر الديموغرافية مقياساً يوضح جوانب مختلفة، فمثلا ًمستوى الوفاة يشير إلى مدى تقدم المجتمع ورفاهية العيش، وكلما انخفض مستوى الوفاة كان التقدم أكبر. أما معدل الخصوبة (الخصوبة تعني عدد المواليد الفعلية للمرأة خلال فترة حياتها الإنجابية) فيساعد في تقدير معدل النمو السكاني، وبالتالي تقدير حجم النفقات اللازمة.
– استخدامات الديموغرافيا وخصوصاً فيما يخص وضع سياسات الدول:
أما عن استخداماتها فهي واسعة النطاق، ونذكر منها:
- التخطيط ووضع السياسات والبرامج الإنمائية التي ترمي إلى حماية وتعزيز رفاهية السكان.
فمن منا لم يسمع بسياسة الصين في تحديد النسل والتي جاءت نتيجة الانفجار السكاني ثم تحولت فيما بعد إلى سياسة التشجيع على الإنجاب لضخ دماء شابة في المجتمع. ومن منا لا يؤيد محاربة ظاهرة تزويج القاصرات، والتي دفعت بعض الحكومات لتحديد سن الزواج كما في المغرب. أيضاً سياسة إلزامية التعليم في سورية كانت ضرورة لمواجهة ظاهرة التسرب المدرسي. بالإضافة إلى سياسات استقبال اللاجئين التي اعتمدتها ألمانيا، نتيجة شيخوخة مجتمعاتها وتدني معدل الخصوبة.
- توجيه البحوث العلمية لحل مشاكل عملية، وذلك بتوفير بيانات تفيد في تحليل تكوين السكان ونموهم في الماضي والمستقبل، وبالتالي التنبؤ ودراسة الأثر.
كدراسة أثر الهجرة من الريف على تنميته، أو أثر العوامل الديمغرافية في اختيار المستهلك لمراكز التسوق.
- الأعمال التجارية والصناعة والعمالة: فمثلاً وضع تقديرات موثوقة لطلب المستهلك على السلع والخدمات، إنما يتوقف على وجود معلومات دقيقة عن عدد السكان في المناطق داخل البلد، وتوزيعهم حسب الجنس والعمر على الأقل، وعلاوة على ذلك يمكن استعماله في إحصاء حجم العرض من القوى العاملة ومدى توافرها محلياً، وبالتالي تحديد مواقع أنشطة الشركات وتنظيمها.
- تحديد الدوائر الانتخابية ورسم حدودها، بالإضافة إلى تحديد عدد الموظفين المنتخَبين الذين يمثلون الشعب في الجهاز التشريعي للبلد.
– كيفية جمع بيانات السكان وشروطها:
قد يتم جمع بيانات السكان ميدانياً بطريقة الحصر الشامل الذي يغطي جميع الأفراد، وهو ما يطلق عليه التعداد السكاني، أو بواسطة السجلات الإدارية (المدنية) التي تحفظ التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والصحية، أو بالجمع بين الطريقتين. أو باستخدام تقنيات المعاينة بشرط أن تتناسب العينة مع حجم المنطقة المطلوب دراستها.
وفي حالة التعداد السكاني يجب أن يشمل التعداد كل الأفراد مواطنين وأجانب المقيمين في إطار مكاني محدد، مع إسناد البيانات قدر الإمكان إلى نقطة زمنية محددة تحديداً دقيقاً. وأن يتم بإشراف حكومي وبشكل دوري على فترات زمنية منتظمة، مما يتيح تقييم الماضي ووصف الحاضر وتقدير المستقبل بدقة، مع مراعاة تبويب البيانات ونشرها للاستفادة منها في الأغراض المذكورة سابقاً.
ويوصى بإجراء تعداد وطني كل عشر سنوات، كما في الولايات المتحدة الأمريكية بريطانيا ومصر وسورية. وبعض الدول تجريه كل خمس سنوات، كما في فرنسا واليابان.
وقد تجد بعض البلدان ضرورة لإجراء تعدادات على فترات أقرب بسبب سرعة التغيرات الكبيرة في السكان.
وأخيراً، إن كل ما سبق لن يحقق الفائدة القصوى منه دون توخي الدقة في جمع البيانات، وتحليل الأرقام الإحصائية الناتجة، واتخاذ القرارات الملائمة التي تصب في مصلحة المورد البشري، المورد المستدام للدول.
والآن هل لك أن تتخيل إلى أي مدى يدخل الإحصاء السكاني في حياتنا وقراراتنا سواءً كأفراد أو مجتمعات؟
إعداد: لمى البعلي
تدقيق علمي: آية قباني
تدقيق لغوي: عبد الرؤوف معصراني